أمر قتيبة بن مسلم أخاه عبد الرحمن بالسير إلى الصغد (سمرقند) وكانوا قد نكثوا العهد, ثم لحق قتيبة بأخيه فبلغها بعده بثلاث أو أربع، وقدم معه أهل خوارزم وبخارى فقاتله أهل الصغد شهرا من وجه واحد وهم محصورون، وخاف أهل الصغد طول الحصار فكتبوا إلى ملك الشاش وخاقان وأخشاد فرغانة ليعينوهم، فلما علم بذلك قتيبة أرسل إليهم ستمائة يوافونهم في الطريق فقتلوهم ومنعوهم من نصرتهم ولما رأى الصغد ذلك انكسروا، ونصب قتيبة عليهم المجانيق فرماهم وثلم ثلمة، فلما أصبح قتيبة أمر الناس بالجد في القتال، فقاتلوهم واشتد القتال، وأمرهم قتيبة أن يبلغوا ثلمة المدينة، فجعلوا الترسة على وجوههم وحملوا فبلغوها ووقفوا عليها، ورماهم الصغد بالنشاب فلم يبرحوا، فأرسل الصغد إلى قتيبة فقالوا له: انصرف عنا اليوم حتى نصالحك غدا.

فقال قتيبة: لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة.

وقيل: بل قال قتيبة: جزع العبيد، انصرفوا على ظفركم.

فانصرفوا فصالحهم من الغد على ألفي ألف ومائتي ألف مثقال في كل عام، وأن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف فارس، وأن يخلوا المدينة لقتيبة فلا يكون لهم فيها مقاتل، فيبني فيها مسجدا ويدخل ويصلي ويخطب ويتغدى ويخرج، فلما تم الصلح وأخلوا المدينة وبنوا المسجد دخلها قتيبة في أربعة آلاف انتخبهم، فدخل المسجد فصلى فيه وخطب وأكل طعاما، ثم أرسل إلى الصغد: من أراد منكم أن يأخذ متاعه فليأخذ فإني لست خارجا منها، ولست آخذ منكم إلا ما صالحتكم عليه، غير أن الجند يقيمون فيها.

وقيل: إنه شرط عليهم في الصلح مائة ألف فارس، وبيوت النيران، وحلية الأصنام، فقبض ذلك، وأتي بالأصنام فكانت كالقصر العظيم وأخذ ما عليها وأمر بها فأحرقت.

فجاءه غوزك فقال: إن شكرك علي واجب، لا تتعرض لهذه الأصنام فإن منها أصناما من أحرقها هلك.

فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، فدعا بالنار فكبر ثم أشعلها فاحترقت، فوجدوا من بقايا مسامير الذهب خمسين ألف مثقال.


بعد أن توغل طارق بن زياد في الأندلس وفتح الله على يديه ما شاء الله كتب بذلك إلى موسى بن نصير فأمره أن يبقى مكانه حتى يأتيه.


كان موسى بن نصير قد غضب على مولاه طارق بسبب توغله في أرض العدو, فاستخلف على أفريقيا ابنه عبد الله بن موسى، ثم دخل الأندلس وبقي فيها سنتين يفتح البلدان ويغنم حتى صارت الأندلس تحت سيطرته, عبر موسى إلى الأندلس في جمع كثير قوامه ثمانية عشر ألفا، فتلقاه طارق وترضاه، فرضي عنه وقبل عذره وسيره إلى طليطلة، وهي من عظام بلاد الأندلس، وهي من قرطبة على عشرين يوما، ففتحها ثم فتح المدن التي لم يفتحها طارق كشذونة، وقرمونة، وإشبيلية، وماردة.


هو أحد المكثرين من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بغريب فهو خادم النبي صلى الله عليه وسلم، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بطول العمر والبركة في المال والولد، فكان له الكثير من الأولاد زادوا على المائة، وقيل: كان له بستان يثمر مرتين في السنة.

وكان سكن البصرة وبقي فيها إلى أن توفي فيها، وهو آخر الصحابة موتا فيها، وكان قد آذاه الحجاج فكتب إلى عبد الملك يشتكيه فكتب عبد الملك إلى الحجاج فاعتذر له وأحسن إليه، فرضي الله عن أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم وأرضاه.


كان سبب ذلك أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الوليد يخبره عن أهل العراق أنهم في ضيم وضيق مع الحجاج من ظلمه وغشمه، فسمع بذلك الحجاج فكتب إلى الوليد: إن عمر ضعيف عن إمرة المدينة، وإن جماعة من أهل الشقاق من أهل العراق قد لجأوا إلى المدينة ومكة، وهذا وهن وضعف في الولاية، فاجعل على الحرمين من يضبط أمرهما.

فكتب الوليد إلى الحجاج: أن أشر علي برجلين.

فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حيان، وخالد بن عبد الله، فولى خالدا مكة، وعثمان المدينة، وعزل عمر بن عبد العزيز، فخرج عمر بن عبد العزيز من المدينة في شوال فنزل السويداء، وقدم عثمان بن حيان المدينة لليلتين بقيتا من شوال من هذه السنة.